حكم من جامع ناسياً لصومه
هل تجب الكفارة بالإفطار بالأكل والشرب متعمدا، فإن مالك وأصحابه وأبا حنيفة وأصحابه والثوري وجماعة ذهبوا إلى أن من أفطر متعمدا بأكل أو شرب أن عليه القضاء والكفارة المذكورة في هذا الحديث. وذهب الشافعي وأحمد وأهل الظاهر إلى أن الكفارة إنما تلزم في الإفطار من الجماع فقط.
والسبب في اختلافهم اختلافهم في جواز قياس المفطر بالأكل والشرب على المفطر بالجماع، فمن رأى أن شبههما فيه واحد وهو انتهاك حرمة الصوم جعل حكمهما واحد. ومن رأى أنه وإن كانت الكفارة عقابا لإنتهاك الحرمة فإنها أشد مناسبة للجماع منها لغيره، وذلك أن العقاب المقصود به الردع والعقاب الأكبر قد يوضع لما إليه النفس أميل وهو لها أغلب من الجنايات وإن كانت الجناية متقاربة إذ كان المقصود من ذلك إلتزام الناس بالشرائع، وأن يكونوا أخيارا عدولا كما قال تعالى {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون} قال هذه الكفارة المغلظة خاصة بالجماع، وهذا إذا كان ممن يرى القياس. وأما من لا يرى القياس فأمره بين أنه ليس يعدى حكم الجماع إلى الأكل والشرب. وأما ما روى مالك في الموطأ أن رجلا أفطر في رمضان فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة المذكورة فليس بحجة لأن قول الراوي فأفطر هو مجمل، والمجمل ليس له عموم فيؤخذ به، لكن هذا قول على إن الراوي كان يرى أن الكفارة لموضع الإفطار، ولولا ذلك لما عبر بهذا اللفظ ولذكر النوع من الفطر الذي أفطر به.
=======
المصدر: بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد.