ما يفسد الصوم وما لا يفسده
اولا: ما يفسد الصيام
عند الحنفية : ما يفسد الصوم نوعان: نوع يوجب القضاء فقط، ونوع يوجب القضاء والكفارة.
أولاً ـ مايفسد الصوم ويوجب القضاء فقط دون الكفارة:
و هو سبعة وخمسون شيئاً تقريباً، يمكن تصنيفها في ثلاثة أشياء:
الأول ـ أن يتناول ما ليس بغذاء ولا في معنى الغذاء وهو الدواء: وهو تناول كل شيء لا يقصد به التغذي عادة ولا يميل إليه ا لطبع، كأن أكل الصائم أرزاً نيئاً، أو عجيناً أو دقيقاً غير مخلوط بشيء يؤكل عادة كالسمن والدبس والعسل والسكر، وإلا وجبت به الكفارة، أو أكل ملحاً كثيراً دفعة واحدة، فإن أكل ملحاً قليلاً، وجبت به الكفارة، أو أكل ثمرة قبل نضجها، أو أكل ما بقي بين أسنانه، وكان قدر الحمصة، فإن كان أقل، فلا يفسد، أو أكل جوزة رطبة.
أو أكل طيناً غير أرمني لم يعتد أكله، أما أكل الطين الأرمني (وهو معروف عند العطارين) فيوجب الكفارة.
أو أكل نواة (بزرة) أو قطناً أو ورقاً، أو جلداً، أو ابتلع حصاة أو حديداً أو تراباً أو حجراً أو درهماً أو ديناراً ونحو ذلك، أو أدخل دخاناً بصنعه، أو أدخل ماء أو دواء في جوفه بواسطة الحقنة في قبل المرأة أو الدبر مطلقاً أو الأنف أو الحلق، أو استعط في أنفه شيئاً { أو قطر في أذنه دهناً، لا ماء على الصحيح لعدم سريان الماء، ولضرر الدماغ به، أو دخل حلقه مطر أو ثلج في الأصح، ولم يبتلعه بصنعه.
والخلاصة: اتفق الحنفية على أنه لو أنزل قطرة في قبل المرأة، فسد صومها؛ لأن القطرة كالحقنة. وأما القطرة في إحليل الرجل فلا تفطر في الأظهر، أو على المذهب وهو قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف: يفطر الصائم.
أو استقاء (تعمد إخراج القيد) من جوفه، أو خرج كرهاً وأعاده بصنعه، إذا كان القيء عمداً ملء الفم أو ولو كان أقل من ملء الفم في حالة الإعادة بقدر حمصة منه فأكثر على الصحيح، وكان ذاكراً لصومه، فإن ذرعه (غلبه) القيء، أو كان القيء حال الاستقاءة أقل من ملء الفم، أو كان ناسياً لصومه، أو كان القيء بلغماً لا طعاماً، لم يفطر في جميع هذه الحالات اتفاقاً، والدليل حديث: «من ذرعه القيء، فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض» (رواه الخمسة إلا النسائي عن أبي هريرة )
الثاني ـ أن يتناول غذاء، أو دواء لعذر شرعي كمرض أو سفر أو إكراه أو خطأ أو إهمال أو شبهة: كأن سبق خطأ ماء المضمضة إلى جوفه، أو داوى جرحاً في رأسه أو بطنه، فوصل الدواء إلى دماغه أو جوفه، أو صب أحد ماء في جوف إنسان نائم، أو أفطرت امرأة خوفاً على نفسها من أن تمرض من الخدمة.
أو أكل أو جامع عمداً لشبهة شرعية بعد أن أكل ناسياً أو جامع ناسياً، أو أكل بعدما نوى نهاراً، ولم يكن قد بيت نيته ليلاً، أو أكل المسافر الذي نوى الصوم ليلاً بعد أن نوى الإقامة، أو أكل أو جامع في حالة السفر بعد أن أصبح مقيماً ناوياً الصوم من الليل، ثم بدأ السفر نهاراً، لشبهة السفر، وإن لم يحل له الفطر.
أو أكل أو شرب أو جامع شاكاً في طلوع الفجر، وهو طالع، ولا كفارة عليه للشبهة؛ لأن الأصل بقاء الليل أو أفطر ظاناً الغروب، والشمس باقية؛ ولا كفارة عليه لغلبة الظن بحدوث الغروب.
ومن جامع قبل طلوع الفجر أو أكل، ثم طلع عليه الفجر، فإن نزع فوراً، أو ألقى ما في فمه، لم يفسد صومه.
الثالث - إذا قضى شهوة الفرج غير كاملة: كأن أنزل المني بوطء ميتة أو بهيمة أو صغيرة لا تشتهى، أو بمفاخذة أو تبطين، أو قبلة أو لمس، أو عبث بباطن الكف، أو وطئت المرأة وهي نائمة، أو قطرت في فرجها دهناً ونحوه.
ويلحق به ما إذا أدخل أصبعه مبلولة بماء أو دهن في دبره، أواستنجى فوصل الماء إلى داخل دبره، أو أدخل في دبره قطنة أو خرقة أو طرف حقنة ولم يبق منه شيء، أو أدخلت المرأة أصبعها مبلولة بماء أودهن في فرجها الداخل، أو أدخلت قطنة أو خشبة أو عوداً وغيبته؛ لأنه تم الدخول، بخلاف ما لو بقي طرفه خارجاً؛ لأن عدم تمام الدخول كعدم دخول شيء بالمرة، فلا يفسد الصوم إذا بقي منه في الخارج شيء بحيث لم يغب كله. وعلى هذا لايفسد عندهم الصوم بالفحص النسائي بإدخال آلة منظار وبقاء طرفها خارجاً، ويفسد بإدخال الإصبع ونحوها، خلافاً للحنابلة في إدخال الإصبع، كما سيأتي.
ومما يلحق به: ما إذا أفسد صوماً غير أداء رمضان بجماع أو غيره، لعدم هتك حرمة الشهر.
ثانياً ـ ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة معاً:
وهو اثنان وعشرون شيئاً تقريباً، إذا فعل الصائم المكلف منها شيئاً، مبيتاً النية في أداء رمضان، متعمداً، طائعاً، غير مضطر، ولم يطرأ ما يبيح الفطر بعده كمرض، أو قبله كسفر. فلو فعلها صبي، أو لم يبيت النية، أو كان في قضاء ما فاته من رمضان أو في صوم آخر غير رمضان، أو كان ناسياً أو مخطئاً، أو مستكرهاً، أو مضطراً، أو طرأ عليه سفر أو مرض، فلا كفارة عليه، وإنما عليه القضاء فقط.
ويمكن تصنيفها بشيئين:
الأول ـ أن يتناول غذاء أو ما في معناه بدون عذر شرعي : كالأكل والشرب، والدواء، والدخان المعروف ، والأفيون والحشيش ونحوهما من المخدرات، لأن الشهوة فيه ظاهرة. والأكل يشمل كل ما هم مأكول عادة، من أنواع الشحوم واللحوم المختلفة ، النيئ والمطبوخ والقديد ، والفواكه والخضروات ومنها أكل ورق الكرم وقشر البطيخ , والنشويات ، ومنها حب الحنطة وقضمها, ولو حبة أو سمسمة أو نحوها من خارج فمه في المختار ، إلا إذا مضغت فتلاشت ، ولم يصل منها شيئ الى جوفه. ومنها الأكل عمداً بعد أن يغتاب آخر ظناً منه أنه أفطر بالغيبة , أو بعد حجامة أو مس أو قبلة بشهوة أو بعد مضاجعة من غير إنزال ، أو دهن شاربه ، ظاناً أنه أفطر بذلك، إلا إذا أفتاه فقيه ومن هذا النوع ابتلاع مطر دخل الى فمه ، وابتلاع ريق زوجته أو حبيبه للتلذذ به . ومنه اكل الطين الأرمني ( مهم معروف عند العطارين ) ، والطين غير الأرمني ، وهذا معروف كما في حالة الذي اعتاد أكل الطين ، ومنه تناول قليل الملح في المختار. والدليل حديث (الفطر مما دخل ) .
الثاني ـ أن يقضي شهوة الفرج كاملة: وهو الجماع في القبل أو الدبر، سواء الفاعل والمفعول به، ولو بمجرد التقاء الختانين وإن لم ينزل، بشرط أن يكون المفعول به آدمياً حياً يشتهى. وتجب الكفارة اتفاقاً إن مكنت المرأة من نفسها صغيراً أو مجنوناً.
والدليل: حادثة الأعرابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان، وإلزام النبي صلّى الله عليه وسلم له بالكفارة (عتق رقبة، ثم صوم شهرين متتابعين إن لم يجد الرقبة، ثم إطعام ستين مسكيناً عند العجز عن الصوم) (رواه الجماعة عن أبي هريرة) .